وأجمل اللهجات المصرية لهجة (الشراقوة) ؛ فلهجتهم جميلة كجمال نفوسهم !
من علامات ودلائل السواء النفسي أن تتكلم بلهجة أهل بلدك ، فلا تخجل أن تتحدث بالطريقة التي يتحدث بها محيطك الاجتماعي ، وليس من التمدن والتحضر في شيء عوج لسانك لتبدو مثقفا ، أنيقا ، ذو مكانة اجتماعية رفيعة .. ومن العيب الشديد أن يتم الاستهزاء باللهجات ذات الطابع المحلي !
في ستينات القرن الماضي تم تحويل قصة (بجماليون) للأديب العالمي برنارد شو إلى فيلم سينمائي بعنوان سيدتي الجميلة أو (My Fair Lady) وحاز هذا الفيلم على العديد من الجوائز العالمية ، من أبرزها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ، وقد عالج هذا الفيلم مسألة تهم المجتمع الانجليزي ، الذي يحظى بتنوع ثقافي وجغرافي كبير انعكس على تعدد اللكنات واللهجات به ، وأجاب الفيلم بشكل واضح على السؤال التالي : هل هناك علاقة بين اللهجة والمكانة الاجتماعية للشخص ؟
يبدو أن المرأة الحديدية مارجريت تاتشر التي رأست وزراء المملكة المتحدة بنهاية سبعينات القرن الماضي وحتى بدايات التسعينات تأثرت بالفيلم ، حيث اعتمدت على تغيير لهجتها بحسب المنطقة التي تزورها ، ولما كان أهل إحدى المقاطعات يتحدثون بلكنة أرستقراطية سايرتهم وتحدثت بلهجتهم ..
على النقيض عُرف عن توني بلير الذي ترأس الوزارة في بريطانيا أنه لا يتحدث إلا بلهجة فخمة أقرب للرسمية ، لكنه تحدث إلى العمال بلهجة تتماشى مع الطبقة التي يريد أصواتها في الانتخابات !
الشاهد : قد يعمد سياسي إلى تغيير لهجته لغرض برجماتي نفعي ، لكن ما الذي يدعوك أيها المواطن الحزين لاعوجاج لسانك ؟!
إن كل اللهجات صحيحة من الناحية اللغوية وفي كل لهجة جمال فريد ، وجرب أن تستمع إلى اللهجة الحمصية وتقارنها بالعامية السورية ، وجرب أن تسمع لهجة الشراقوة وتقارنها باللهجة المصرية العامية لتقف على مدى الجرم الذي يختلقه العنصريون
عبر تاريخنا المصري – فيما أعلم- لم تشهد مصر تلاسنا معروفا ومدونا حول الزي مثلا ، إلا في مواقف (ثقافية) بعيدا عن الخدش في عمق الهوية المصرية ، إلا في هذه الأيام ، حيث تهان (الجلابية) باعتبارها رمزا للتخلف والرجعية .. بينما هي الزي الرسمي للمصريين ، وهي الأداة التعبيرية الأقوى في شخصية المصري دون غيرها من أنواع اللباس الأخرى ، وظلت لقرون المعيار الأوحد لموافقة الذوق العام ، وبقيت صامدة في وجه التفاوت الطبقي وتباعد الثقافات الذي أحدثه المستعمر والباغي على مدار التاريخ المصري ، ويهان الصعيد ويُستهزأ بلهجته ، بينما هو أصل مصر !
إن العنصرية موجودة في كل شعوب الأرض بينما عنصرية المصري منفرة ، متناقضة (سمرا بس حلوة) ، (علمناهم ودرسنا لهم ، وهم بحاجة إلى من يعلمهم الآن ) ، (احنا سبعتلاف سنة حضارة ، لكننا مشتتين في كل شبر على سطح الكوكب ) بينما عنصرية الآخرين متجذرة في أصل تكوينهم النفسي ، بفعل الروح القبلية الضاربة في أعماق الماضي والانفكاك عنها بحاجة إلى قوة نفسية وخلقية عظيمة ..
وحدهم الجهلاء هم الذين يعتبرون أن مخاصمة الهوية وأدواتها ومظاهرها معيار التقدم والتنوير ..
كل شعوب العالم تعتز بهويتها وتنوعها الثقافي واللساني ، ولا يعتبرون في ذلك منقصة ، فالأفارقة في الأدغال والاسكتلنديون في أطراف الأرض والهنود في شبه قارتهم، واليابانيون في جزرهم القابعة في عمق البحر، بل وحتى سكان الاسكيمو في عمق الجليد ينظمون أعيادا ومناسبات احتفالا بالزي التقليدي كنوع من التعبير عن حبهم لوطنهم ..
وتقيم حكومة استراليا كل عام احتفالية تحمل عنوان (يوم التعدد المجتمعي) لإبراز المجتمع الاسترالي كمجتمع متعدد الحضارات ويطلبون من الحضور ارتداء ازيائهم الوطنية الأصلية .