إيجابيات الحب

قيل لأحد الحكماء : إن ابنك يحب !
فرد عليهم : إذا يراعي لبسه ، ويمشط شعره ، وينظف نفسه ، ويعطر بدنه !
ينزعج الأب حين يعلم أن ابنه قد وقع في حب فتاة ، وتنزعج الأم حين يتبين لها أن ابنتها واقعة في حب أحدهم ، ويضعف عزمهما عن متابعة الأمر وحلحلته ، فضلا عن توجيهه ، فغالبا لا يكون إلا الصفع ، والسب والشتم واللطم والتجريح ، وتبقى قلوب (المحبين) معلقة كريشة في مهب الريح !
كان العرب قديما في مجالسهم التربوية يحثون الشباب على الحب ، على اعتبار أنه الدافع الأكبر نحو تحقيق المروءة ، ذلك أن المرأة العربية في ذلك الزمان إن أحبها أحد تجعله كريم الأخلاق ، حسن الطباع ، لأنه يحاول أن يكون كاملا في عينها ، والمرأة العربية الأصيلة لم تكن ترضى أبدا أن يحبها إنسان وضيع ، ضعيف الهمة ، قليل العزم ..
فهم ذلك عنترة بن شداد فأشعر يقول :
دَعني أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلبِ وأبلغُ الغاية َ القصوى منَ الرتبِ
لعلَّ عبلة َ تضحى وهيَ راضية ٌ على سوادي وتمحوصورة َ الغضب
لقد قُدر لجميل ؛ عاشق بثينة أن يدخل في مصارعة حرة مع رجل آخر ، والقوم ينظرون ، غير أن المصارع المنافس كان أقوى منه عشرات المرات ، لكن جميلا هزمه شر هزيمة ؛ وذلك لأنه لمح بطرف عينه بثينة تطل عليه من أعلى التل ، فلم تستسغ نفسه أن يهزم أمام حبيبته ، إذ كان يستمد منها قوته ، ومن بريق عينيها سر عزيمته ، فاستغرب القوم من القوة التي بثت في الرجل !
فطن لذلك المصارع المنافس فطلب منه أن يصارعه في مكان بعيد عن أعين الناس ، فتهور جميل ووافق ، فهزمه المصارع مرات ومرات !
لو لم يغرق مصطفى صادق الرافعي في حب مي زيادة ، ما خرجت لنا تلك الكنوز الأدبية التي تنمي الإحساس ، وترقق الطباع ، وتطبطب على القلب ، وتحنو على العقل !
ولو لم يقع العقاد في حب مي أيضا ، ما خرجت إلينا روايته الرومانسية الماتعة التي استعار لها اسم ( سارة ) وكان يقصد ( مي ) ، وكذلك الحال مع جبران خليل جبران وغيرهما !
لي أحد الأصدقاء ، وقع في حب جارته ، غير أنها كانت أعلى منه تعليما ، فذاكر وجد واجتهد حتى حصل على الدكتوراه في تخصصه ، فاستويا ، بل تفوق عليها فاستحقها ، وكانت من نصيبه ، لقد كان حبه لها دافعا له كي ينحو نحو القمة في أخلاقه ، وعلمه ، ليكون جديرا بها !
هذا هو الحب الذي أعرفه ، والذي لا يأت إلا بخير !
ما نراه الآن ويعتقده كثير من الشباب والبنات ليس حبا ، ولا يمت للحب بصلة ، بل محض مرقعة ، ونحنحة ؛ فالحب الصادق هو الذي يراعي جنب الله ابتداء ، ويدفع صاحبه لأن يكون واقعيا ، يراعي المتطلبات الحالية ، ويستشرف من خلاله ملامح المستقبل ، حتى لا يكسر قلب فتاة وثقت به ، كما يدفعه لنيل أعلى الدرجات وأرفع المكانات ، ولا يتخلل العلاقة منكر ، أو محرم !
إن جميلا عاشق بثينة وهو على فراش الموت قال لمن يجلس معه : ما رأيك في رجل بلغ الخمسين من عمره ، يشهد أن لا إله إلا الله ، ولم يزن ، ولم يسفك دما حراما ، وهو مع ذلك يصلي ؟!
فرد عليه صاحبه : هو ناج بإذن الله !
فقال جميل : هذا أنا
فرد عليه صاحبه : أنت ؟؟؟ وتقول كذا وكذا في بثينة ؟!
فرد جميل : والله منذ عرفتها وأحببتها ، ما بدر مني شيء ، وأعظم ما كان مني لها أن وضعت يديها مرة على قلبي حتى يستريح !
تقبلوا أبناءكم ، بصدر رحب ، وعقل متفهم لطبيعة المرحلة العمرية ، وطبيعة العلاقات الإنسانية ، وطبيعة العصر وظروفه وملابساته ، واحنوا على بناتكم ، ولا تخجلوا أن تتحدثوا معهم في أمور أهم من الأكل والشرب والمذاكرة ، واعلموا أن الصد لا يأت بخير ، بل الحب الصادر منكم إليهم !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *